إذا كان المقصود من كلمة {صَدَقَةً} كفارة الذنب الذي صدر من المتخلفين عن غزوة تبوك، كما قال الحسن البصري فيما تقدم، فالمناسبة بين هذه الآية وما قبلها واضحة؛ لأن المراد علاج خطأ هذه الفئة من الناس، وتكون الآية خاصة بهم. ويمكن تعميم المراد بالآية بأن يقال: إنكم لما رضيتم بإخراج الصدقة التي هي غير واجبة، فلأن تصيروا راضين بإخراج الواجبات أولى.
وأما إذا كان المقصود من الآية الزكوات الواجبة أو إيجاب أخذ الزكاة من الأغنياء، وهو رأي أكثر الفقهاء، وهو الصحيح، فالمناسبة تكون على النحو التالي: لما أظهر هؤلاء التوبة والندامة عن تخلفهم عن غزوة تبوك، وأقروا بأن السبب الموجب لذلك التخلف هو حبهم للأموال، وشدة حرصهم على صونها عن الإنفاق، فكأنه قيل لهم: إنما تظهر صحة قولكم في ادعاء هذه التوبة والندامة لو أخرجتم الزكاة الواجبة؛ لأن الدعوى لا تتقرر إلا بالمعنى، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان. فإن أدوا تلك الزكوات عن طيب نفس، ظهر كونهم صادقين في توبتهم، وإلا فهم كاذبون.
ومما يدل على أن المراد الصدقات الواجبة قوله:{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} أي تطهرهم عن الذنب بسبب أخذ تلك الصدقات.
قال الجصاص: والصحيح أنها الزكوات المفروضة، إذ لم يثبت أن هؤلاء القوم أوجب الله عليهم صدقة دون سائر الناس، سوى زكوات الأموال، وإذا لم يثبت بذلك خبر، فالظاهر أنهم وسائر الناس سواء في الأحكام والعبادات، وأنهم غير مخصوصين بها دون غيرهم من الناس.
ولأنه إذا كان مقتضى الآية وجوب هذه الصدقة على سائر الناس لتساوي الناس في الأحكام إلا من خصه دليل، فالواجب أن تكون هذه الصدقة واجبة