{وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي ولولا القضاء السابق من ربّك بتأخير العقوبة والحساب إلى يوم المعاد، لعجّل عليهم العقوبة في الدنيا سريعا، بسبب ما اقترفوا من آثام عظام.
{وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} أي وإن لجيل المتأخّر من أهل الكتاب الذين توارثوا التوراة والإنجيل عمن سبقهم لفي شكّ من كتابهم ودينهم وإيمانهم، وهو شكّ مقلق موقع في الرّيب بشدة، لأنّهم لم يتّبعوا الحق، وإنّما قلّدوا رؤساء الدّين المتأخرين الذين صوّروا لهم الدّين بصورة مغايرة لحقيقته الأولى، واتّبعوا الآباء والأسلاف بلا دليل ولا برهان، وهم في حيرة من أمرهم، ولذلك لم يؤمنوا برسالة خاتم الأنبياء، وأصبحوا مكذّبين القرآن ومحمدا صلّى الله عليه وسلّم الذي صدّق كتابهم في أصله الأوّل.
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يأتي:
١ - إن الرّسالات السماوية متحدة في أصولها، وإن اختلفت في فروعها.
٢ - شرع الله لأمة الإسلام ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السّلام، من توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وباليوم الآخر، وغيرها من أصول العقيدة والعبادة والأخلاق.
أما أحكام الشرائع التي هي متبدلة متغيرة بحسب أحوال الأمم ومصالح الأقوام، فهي مختلفة متفاوتة، وهذا أمر حسن يتناسب مع الأحوال والبيئات والظروف، فالمشرع كامل العلم والحكمة، والإسلام دين قديم أجمع عليه الرّسل، والشرائع قسمان: منها ما لا نسخ فيه، بل يكون واجب البقاء في جميع الشرائع والأديان، كحسن الصدق والعدل والإحسان، وقبح الكذب والظلم والإيذاء، ومنها ما يختلف باختلاف الشرائع والأديان. والشرع حريص على القسم الأول باعتباره الجوهر أكثر من حرصه على القسم الثاني.