للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناسبة:

ردّ الله تعالى في الآيات السابقة على المشركين الذين كانوا يحرّمون ويحلّلون من الأنعام بحسب أهوائهم، وأبان أن التّحريم والتّحليل لا يثبت إلا بالوحي، ثم أوضح هنا أنّ المطعومات المحرّمات على الآكلين هي أربعة فقط‍: الميتة، والدّم المسفوح، ولحم الخنزير فإنه رجس، والفسق: وهو الذي أهل به لغير الله.

التفسير والبيان:

بيّن الله تعالى في هذه السّورة المكيّة أنه لا محرّم إلا هذه الأربعة، وأتى بها بصيغة الحصر، مبالغة في بيان أنه لا يحرم إلا هذه الأربعة، وأكّد ذلك في سورة النّحل فقال: {إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ، فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النّحل ١١٥/ ١٦].

وكلمة {إِنَّما} تفيد الحصر، فدلّت آيتان مكيّتان على حصر المحرّمات في هذه الأربعة، وكذلك دلّت آية مدنيّة في سورة البقرة أنه لا محرّم إلا هذه الأربعة، فقال: {إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة ١٧٣/ ٢]، وكلمة {إِنَّما} التي تفيد الحصر مطابقة لقوله: {قُلْ:}

{لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}.

ثم ذكر الله تعالى في سورة المائدة قوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} [المائدة ١/ ٥]، وأجمع المفسّرون على أن المراد بقوله {إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} هو ما ذكره بعد هذه الآية بقليل، وهو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ، وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَالْمَوْقُوذَةُ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، وَالنَّطِيحَةُ، وَما أَكَلَ السَّبُعُ، إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ} وكل هذه الأشياء من أنواع الميتة، وأنه تعالى إنما أعادها بالذّكر؛ لأنهم كانوا يحكمون عليها بالتّحليل، فثبت أن الشريعة من أولها إلى آخرها كانت مستقرة على هذا الحكم وعلى هذا الحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>