الأفاكون من الشياطين يصغون أشد الإصغاء إلى الشياطين، فيتلقون منهم ما أكثره كذب وزور من الظنون والأمارات. {وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ} فسره بعضهم بالكل؛ لقوله تعالى:{كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ} قال البيضاوي: والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم، على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني. وقيل: تعود الضمائر للشياطين، أي يلقون ما سمعوه من الملائكة إلى الكهنة، ويضمون إلى المسموع كذبا كثيرا، وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء.
{وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} أي الضالون المائلون عن منهج الاستقامة، فهم مذمومون، وهذا للمقارنة بينهم وبين المؤمنين، فالشعراء يتبعهم الضالون في شعرهم، فيقولون به، ويروونه عنهم، أما أتباع محمد صلّى الله عليه وسلم فليسوا كذلك. {أَلَمْ تَرَ} تعلم. {فِي كُلِّ وادٍ} من أودية الكلام وفنونه، والوادي: الشّعب. {يَهِيمُونَ} يمضون أو يسيرون حائرين، فيجاوزون الحد مدحا وهجاء؛ لأن أكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها، وأغلب كلماتهم في الباطل. {يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ} أي يكذبون فيقولون: فعلنا وهم لم يفعلوا.
{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا.}. أي من الشعراء. {وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً} لم يشغلهم الشعر عن الذكر. {وَانْتَصَرُوا} بهجوهم الكفار. {مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا} بهجو الكفار لهم مع جملة المؤمنين، فليسوا بمذمومين، لقوله تعالى:{لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ}[النساء ١٤٨/ ٤] وقوله سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}[البقرة ١٩٤/ ٢]. {مُنْقَلَبٍ} مرجع. {يَنْقَلِبُونَ} يرجعون بعد الموت، وهو تهديد شديد؛ لأن قوله:{سَيَعْلَمُ} وعيد بليغ، وقوله:{الَّذِينَ ظَلَمُوا} على الإطلاق والتعميم، وقوله:
{أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فيه إبهام وتهويل.
سبب النزول:
نزول الآية (٢٢٤) وما بعدها: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ}: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء، فأنزل الله:{وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} الآيات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: لما نزلت {وَالشُّعَراءُ} إلى قوله: