وهذا كقوله هاهنا:{قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} أي غبنوا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها، وذهب عنهم ما كانوا يفترون من خبر الشفعاء التي كانوا يعبدونهم من دون الله، قائلين:{هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ}[يونس ١٨/ ١٠] فلا يشفعون فيهم، ولا ينصرونهم، ولا ينقذونهم مما هم فيه.
فقه الحياة أو الأحكام:
القرآن الكريم أعظم نعمة على الإنسان؛ لأنه بيان للإيمان الصحيح والحق الثابت، والعبادة المرضية لله تعالى، ولأنه هدى ورحمة للمؤمنين، كقوله تعالى:
وتظهر في كل حين في الدنيا عاقبة ما أنذر به وحذّر، وما أعلم به وأخبر؛ لقوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت ٥٣/ ٤١] وكذا في الآخرة؛ لقوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ} أي عاقبة ما فيه. وعاقبة القرآن: ما وعد الله فيه من البعث والحساب وجزاء التكذيب به.
وتبدو عواقبه يوم القيامة، فيعترف منكروه بأنه الحق الثابت والصدق الأبلج، ويتمنون الخلاص بأي وسيلة ممكنة: إما بشفاعة الشفعاء، أو الرد إلى الدنيا لتصحيح الأعمال بما يتفق مع مرضاة الله، ولكن لا يجابون إلى مطلبهم، فيندمون ولات حين مندم.
ولكن هؤلاء الكفار المنكرين قد خسروا أنفسهم بتعريضها للعقاب والعذاب في النار، وبطل ما كانوا يقولون من أن مع الله إلها آخر، ولم ينتفعوا بالأصنام التي عبدوها في الدنيا، ولم ينتفعوا أيضا بنصرة الأديان الباطلة التي بالغوا في نصرتها.