يأمر الله تعالى رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم مخاطبا له بصفة الرسالة بإبلاغ جميع ما أنزله الله عليه، فقام بالواجب أتم القيامة، وبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح للأمة، فجزاه الله خير الجزاء، قال البخاري عند تفسير هذه الآية من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب، وهو يقول:{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي. وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت: «لو كان محمد صلّى الله عليه وسلّم كاتما شيئا من القرآن لكتم هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ}[الأحزاب ٣٧/ ٣٣].
ومعنى الآية يا أيها الرسول المرسل من عند ربه برسالة إلى الناس كافة بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربك، ولا تخشى في ذلك أحدا، ولا تخف أن ينالك مكروه.
وإن لم تبلغ فورا ما أنزل إليك ولم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به، بأن كتمته ولو إلى حين، فما قمت بواجب التبليغ إلى الناس، كما قال تعالى:{ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ}[المائدة ٩٩/ ٥].
والحكمة في هذا الأمر بالتبليغ وتأكيده بقوله:{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ.}. بجعل كتمان بعضه مثل كتمان كله، مع أن الرسل معصومون من كتمان شيء مما أنزله الله إليهم. هو إعلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأن التبليغ حتم لا يجوز له الاجتهاد بتأجيل شيء عن وقته.
والحكمة بالنسبة للناس أن يعرفوا هذه الحقيقة بالنص، فلا يختلفوا فيها.
وقد بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم فورا جميع ما أنزل إليه من القرآن، قال البخاري: قال الزهري: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، وقد شهدت له