فإذا لم تأتهم بما طلبوا، قالوا: هلا اختلقتها من عند نفسك، جريا على اعتقادهم بأن القرآن من عند محمد:{وَقالُوا: ما هذا إِلاّ إِفْكٌ مُفْتَرىً}[سبأ ٤٣/ ٣٤].
التفسير والبيان:
وإذا لم تأت أيها الرّسول أهل مكة بآية مما اقترحوا حدوثه، أو بآية من القرآن، قالوا: هلا اختلقتها وتقولتها من تلقاء نفسك، لزعمهم أن القرآن من عند محمد، وأنه متمكن من الإتيان بالآيات الكونية والمعجزات المخصوصة، أو هلا طلبتها من الله الذي يلبي لك حاجتك. فقل لهم يا محمد: إنما أنا متّبع وحي ربّي فقط، ولست بمفتعل أو مختلق للآيات، أو لست بمقترح لها، ولست قادرا على إيجاد الآيات. ونظير ذلك قوله تعالى:{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ، قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، قُلْ: ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ}[يونس ١٥/ ١٠].
ثم نبههم الحق تعالى إلى ما يحقق الهدف، وأرشدهم إلى أن هذا القرآن أعظم المعجزات، وكأنه قال لهم: ما لكم تطلبون شيئا لا يفيدكم؟ وإنما لديكم هذا القرآن الذي يشتمل على مبصرات للقلوب، وحجج بيّنات، وبراهين نيّرات، ودلائل واضحات من الله على صدقي، وأنه من عند الله، بها يبصر الحق، ويدرك الصّواب، ويعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب، كما قال تعالى في موضع آخر:{قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها}[الأنعام ١٠٤/ ٦].