وتذكرونه ذكرا كثيرا في الليل والنهار، حبا به وتعظيما له، وخوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه وجزائه، فإن ذكره دافع إلى طاعته، والتأسي برسوله.
وهذا عتاب للمتخلفين، وإرشاد للناس جميعا أن يتأسوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السراء والضراء وحين البأس ولقاء الشجعان ونزال الأبطال.
ثالثا-موقف المؤمنين:
ثم بعد بيان حال المنافقين أبان الله تعالى حال المؤمنين عند لقاء الأعداء، فقال:
{وَلَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلاّ إِيماناً وَتَسْلِيماً} أي ولما شاهد المؤمنون المصدقون بموعود الله لهم، المخلصون في القول والعمل الأحزاب المتجمعة حول المدينة قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار بمجابهة الأعداء ثم النصر القريب، وصدق الله ورسوله الوعد بالنصر، وما زادهم تجمع الأعداء وتلك الحال من الشدة والضيق إلا إيمانا بالله، وتصديقا لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتسليما لقضائه وقدره وانقيادا لأوامره وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، واعتقادا جازما أن النصر من عند الله تعالى بعد أن يتخذ العباد الأسباب، ويستعدوا للحرب، ويقاتلوا فعلا؛ لأن الجهاد تكليف من الله لعباده، وتعطيل التكليف معصية، ومجرد الاعتماد على قدرة الله وإمداده بالعون والنصر دون عمل من عباده: سوء فهم وجهل وتمنيات شيطانية خادعة.
والتحذير من هذه المفاهيم المخطئة متكرر في القرآن، قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرّاءُ، وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتى نَصْرُ اللهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}[البقرة ٢١٤/ ٢] وقال سبحانه: {أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا: آمَنّا، وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت ٢/ ٢٩].