للعلماء اتجاهان في كيفية استيفاء القصاص، فذهب مالك والشافعي إلى أن آية:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ} يقتضي المماثلة في كيفية القتل، فيقتص من القاتل على الصفة التي قتل بها، فمن قتل تغريقا، قتل تغريقا. ومن قتل بحجر قتل به، بدليل
حديث أنس الذي رواه الشيخان (البخاري ومسلم) أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم «رضّ رأس يهودي بين حجرين، كان قد قتل بهما جارية من الأنصار».
وذهب الحنفية، والحنابلة في الأصح عندهم إلى أن المطلوب بالقصاص إتلاف نفس بنفس، والآية لا تقتضي أكثر من ذلك، فعلى أي وجه قتله، لم يقتل إلا بالسيف،
لحديث النعمان بن بشير الذي رواه ابن ماجه والبيهقي والدارقطني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«لا قود إلا بالسيف»، و
لحديث عمران بن حصين وغيره أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم «نهى عن المثلة»
وحديث شداد بن أوس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال -فيما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن-: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة» فأوجب عموم لفظه على من رغب في القصاص أن يقتل الجاني بأحسن وجوه القتل.
٦ - أخذ الدية من قاتل العمد:
هناك نظريتان، فذهب مالك في رواية أشهب والشافعي وأحمد: إلى أن ولي المقتول بالخيار إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية، وإن لم يرض القاتل،
لحديث أبي شريح الخزاعي عام الفتح الذي رواه أحمد عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من قتل له قتيل، فله أن يقتل أو يعفوا أو يأخذ الدية» ولأن فرضا على القاتل إحياء نفسه، بقوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. وعلى هذا يكون موجب القتل العمد أحد أمرين: إما القصاص، وإما العفو إلى الدية، فأيهما اختار الولي، أجبر الجاني عليه.