{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بعيسى {بَعْدَ إِيمانِهِمْ} بموسى {ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً} بمحمد {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} إذا غرغروا أو ماتوا كفارا. {مِلْءُ الْأَرْضِ} مقدار ما يملؤها. {أَلِيمٌ} مؤلم.
{ناصِرِينَ} مانعين منه.
سبب النزول: نزول الآية (٨٦):
روى النسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد، ثم ندم، فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله: هل لي من توبة؟ فنزلت:{كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا} إلى قوله: {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فأرسل إليه قومه، فأسلم.
وأخرج مسدّد في مسنده وعبد الرزاق عن مجاهد قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم كفر، فرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه القرآن:
{كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فحملها إليه رجل من قومه، فقرأها عليها، فقال الحارث:«إنك والله ما علمت لصدوق، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصدق منك، وإن الله لأصدق الثلاثة» فرجع وأسلم وحسن إسلامه.
وقال الحسن البصري وقتادة: نزلت في اليهود؛ لأنهم كانوا يبشّرون بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ويستفتحون على الذين كفروا، فلما بعث عاندوا وكفروا، فأنزل الله عز وجل:{أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ، وَالْمَلائِكَةِ، وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} أخرجه عبد بن حميد وغيره (١).
أي أن هذه الآية نزلت في أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم في كتابهم، وأقروا بذلك، وشهدوا أنه حق، ولذا كانوا يستفتحون به