ما نعرف ذلك يا محمد، وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر، فأنزل الله عز وجل فيهم:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا.}. الآية.
التفسير والبيان:
الآية متصلة بما قبلها، واردة لفتح باب الأمل أمام أهل الكتاب بعد أن اشتروا الضلالة بالهدى بتحريفهم بعض الكتاب وإضاعة بعضه الآخر، وهي تلزمهم العمل بما عرفوا والإيمان بالقرآن، لأن إيمانهم بالتوراة يستدعي الإيمان بما يصدقها.
يأمر الله تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالإيمان بما نزل على رسوله صلّى الله عليه وسلّم من القرآن المجيد الذي جاء مصدقا لما سبقه من الكتب السماوية في أصولها الأولى الصحيحة، وليس لما آلت إليه في صورتها الحالية، من تقرير التوحيد ورفض الشرك وترك الفواحش الظاهرة والباطنة، وتصديق الاخبار التي بأيديهم من البشارات بالنبي محمد، وتلك هي أصول الدين وغاياته الأساسية.
خاطبهم القرآن بأنهم أوتوا الكتاب، مع أنهم ضيعوا جزءا منه، وأحرقوا جزءا آخر، مما يدعو إلى إيمانهم بالقرآن، ويسجل عليهم تقصيرهم واستحقاقهم العقاب.
ومما يدعوهم إلى الإيمان أن الأديان السماوية كلها متفقة في الأصول العامة، كالتوحيد، ونبذ الشرك، والتحلي بكريم الأخلاق، والبعد عن الفواحش والمنكرات.
وأكد القرآن الكريم نبوة داود وسليمان وموسى وعيسى وإبراهيم ونوح وغيرهم عليهم السلام، فكيف لا يؤمن أتباع أولئك الأنبياء بالقرآن وبرسالة محمد؟ مع أنه جاء مصدقا لما معهم، وموافقا لملة إبراهيم القائمة على التوحيد.