بعد أن حذّر الله تعالى من مصاحبة الكفار ومصادقتهم ومناصحتهم، وندّد بخصال المنافقين، ونبّه المؤمنين إلى ما يباح إعلانه من سوء القول، أوضح سبب كفر أهل الكتاب، من طريق بيان ركني الإيمان وهما: الإيمان بالله تعالى، والإيمان بجميع الرّسل دون تفرقة بين رسول وآخر، فمن آمن ببعض الرّسل وكفر ببعض آخر، فهو من الكافرين الذين استحقّوا العقاب في نار جهنم. أي أنه تعالى لما ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب: اليهود والنصارى.
التفسير والبيان:
يتوعّد الله تعالى في هذه الآيات الكافرين به وبرسله، من اليهود والنصارى، حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان، فآمنوا ببعض الأنبياء، وكفروا ببعض، تعصّبا وتمسّكا بالموروث، واعتصاما بالأهواء والشهوات، فاليهود آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمدا عليهما الصّلاة والسّلام، والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلّى الله عليه وسلّم.
فمن كفر بنبيّ من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، لأن الإيمان بسائر الأنبياء واجب، فمن ردّ نبوّة نبيّ للحسد أو العصبيّة أو التّشهي، تبيّن أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانا شرعيا، إنما هو عن غرض وهوى وعصبيّة.
ولهذا قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله، {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} أي في الإيمان {وَيَقُولُونَ: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً} أي طريقا ومسلكا وسطا بين الإيمان والكفر، ودينا مبتدعا بين الإسلام واليهودية، هؤلاء أخبر تعالى عنهم فقال:{أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا} أي كفرهم محقّق لا محالة بمن ادّعوا الإيمان به، لأنه ليس شرعيّا، إذ لو كانوا مؤمنين به