للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيمان اضطراري عن إكراه، وإنما ينفع الإيمان الاختياري، لا الإيمان الاضطراري، لأنه عند معاينة الأمر الحتمي لا يبقى للتكليف مجال، فالكل يؤمن حينئذ، وهكذا لا ينفع الإيمان عند رؤية العذاب أو الموت أو الغرق أو في الآخرة، ولم يكن الشخص آمن في الدنيا.

وهذا كما فرعون حين أدركه الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فقال الله تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ، وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس ٩٠/ ١٠ - ٩١] فلم يقبل الله منه إيمانه.

ثم ذكر الله تعالى حكما عاما، فقال:

{سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ} أي إن هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنه لا يقبل، وإن الله سبحانه سن هذه السنة في الأمم كلها أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب.

وخسر الكفار وقت رؤيتهم بأس الله ومعاينتهم لعذابه، والكافر خاسر في كل وقت، ولكنه يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب.

جاء في الحديث الثابت:

«إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (١) أي فإذا غرغر، وبلغت الروح الحنجرة، وعاين الملك، فلا توبة حينئذ، ولهذا قال تعالى هنا: {وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ} وقال: {وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ} [غافر ٧٨/ ٤٠]. فليحذر الكافر والمقصر، وليتدارك الأمر قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم.

فقه الحياة أو الأحكام:

يستنبط‍ من الآيات ما يأتي:

١ - إن آثار تدمير الأمم الغابرة بسبب كفرهم وتكذيبهم الرسل عبرة


(١) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>