للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{اِفْعَلْ ما تُؤْمَرُ} أي ما تؤمر به، وإنما ذكر بلفظ‍ المضارع لتكرر الرؤيا {مِنَ الصّابِرِينَ} على الذبح أو على قضاء الله.

{فَلَمّا أَسْلَما} استسلما لأمر الله، وخضعا وانقادا له {وَتَلَّهُ} كبّه على وجهه، لئلا يرى فيه تغيرا يرق له، فلا يذبحه، أو أضجعه على شقه، فوقع جبينه على الأرض. وكان ذلك عند الصخرة بمنى. والجبين: أحد جانبي الجبهة، والجبهة: بين جبينين، واللام في قوله {لِلْجَبِينِ} لبيان ما صرع عليه، كقوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ} [الإسراء ١٠٩/ ١٧]. {صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} حققت ما طلب منك بالعزم والإتيان بالمقدمات {إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي كما جزيناك نجزي المحسنين لأنفسهم بامتثال الأمر، وهذا تعليل لتفريج تلك الشدة عنهما، وهو إحسانهما {إِنَّ هذا} الذبح المأمور به {لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} الاختبار الظاهر الذي يتميز فيه المخلص من غيره. {وَفَدَيْناهُ} أي المأمور بذبحه، وهو إسماعيل عليه السلام على الأرجح، وقيل:

إسحاق {بِذِبْحٍ} بكبش يذبح بدله {عَظِيمٍ} عظيم الجثة، سمين. واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده، لزمه ذبح شاة.

{وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} أبقينا عليه ثناء حسنا في الأجيال اللاحقة {سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ} أي سلام منا عليه {كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي مثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين لأنفسهم بطاعة الله تعالى {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} علة الإحسان.

{وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ} بشارة بولد آخر بأن يوجد إسحاق، وهو دليل على أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق {نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ} مقضيا نبوته، مقدرا كونه من الصالحين {وَبارَكْنا عَلَيْهِ} على إبراهيم في أولاده {وَعَلى إِسْحاقَ} ولد إبراهيم، بأن جعلنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، أي أكثر الأنبياء من نسله، مثل أيوب وشعيب عليهما السلام. {مُحْسِنٌ} مؤمن {وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ} كافر عاص {مُبِينٌ} بيّن الكفر، ظاهر الظلم. قال البيضاوي: وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال، وإن الظلم في أعقاب إبراهيم وإسحاق لا يعود عليهما بنقيصة وعيب.

المناسبة:

هذه تتمة القصة الثانية-قصة إبراهيم عليه السلام، فبعد أن قال سبحانه وتعالى: {فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} أتبعه بما يدل على حصول ما بشر به وبلوغه سن الطاقة على العمل. ثم أتبعه بقصة الذبيح إسماعيل والفداء، ثم بشره تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>