إليه، وهذا كما يسأل العبد في قبره: من ربّك، ومن نبيك، وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأما الكافر فيقول: هاه هاه لا أدري، فلا جواب له يوم القيامة غير السكوت. وفي هذا إثبات النبوات، وإعلان التوحيد، والبراءة عن الآلهة المزعومة من أصنام وغيرها.
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ، فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} أي فخفيت عليهم الحجج، وعموا عن أوجه الدفاع عن أنفسهم يوم القيامة، ولم يجدوا بدا من السكوت، ولا يسأل بعضهم بعضا كما يسأل الناس في المشكلات، لما اعتراهم من الدهشة والذهول، ولتساوي الناس جميعا في عمى الأنباء عنهم والعجز عن الجواب، حتى الأنبياء، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ، فَيَقُولُ: ماذا أُجِبْتُمْ، قالُوا: لا عِلْمَ لَنا، إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ}[المائدة ١٠٩/ ٥] فما ظنك بهؤلاء الضلال؟! وسميت حججهم أنباء (أخبارا) لأنها أخبار يخبرونها.
وبعد بيان الصورة القاتمة لحال هؤلاء المشركين وتوبيخهم، ذكر الله تعالى حال التائبين ترغيبا في التوبة والبراءة عن الكفر، فقال:
{فَأَمّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} أي فأما الذين تابوا من المشركين، وصدقوا بالله وتوحيده، وأخلصوا العبادة له، وآمنوا بنبيه محمد صلّى الله عليه وسلم، وعملوا الأعمال الصالحة في الدنيا من فرائض وغيرها، فهم ناجون فائزون برضوان الله ونعيمه في الجنة يوم القيامة. وعسى من الله على سبيل التحقق، فإن هذا واقع بفضل الله ومنته لا محالة، وأما من العبد فتوقع وترج أن يفلح ويفوز بما طلب.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات تنبيها وإنذارا مسبقا، وتوبيخا، وزجرا عن الكفر، كي يتدارك الإنسان أمره في الدنيا، كيلا يفاجأ بالمصير المشؤوم يوم القيامة.