ثم أبان الله تعالى بعد وصف المتّقين بالأوصاف السابقة: أن أولئك المتّقين الموصوفين بهذه الصّفات جزاؤهم مغفرة من ربّهم على ذنوبهم، وأمن من العقاب، ولهم ثواب عظيم عند ربّهم في جنّات تجري من تحتها الأنهار، أي من أنواع المشروبات، وهم خالدون فيها أي ماكثون فيها، ونعم هذا الجزاء على تلك الأعمال الصالحة وهو الجنة، فهو تعالى يمدح الجنة، وحقّ له المدح، ففيها النعيم الأبدي المطلق، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات (١٣٠ - ١٣٢) على تحريم الرّبا من نواح أربعة: النّهي عنه {لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا} واتّقاء الله في أموال الرّبا فلا تأكلوا، والوعيد لمن استحلّ الرّبا بالنّار، ومن استحلّ الرّبا فإنه يكفر، والأمر بإطاعة الله في تحريم الرّبا، وإطاعة الرّسول فيما بلّغ الناس من التّحريم، كي يرحمهم الله.
قال مجاهد: كانوا يبيعون البيع إلى أجل، فإذا حلّ الأجل زادوا في الثّمن على أن يؤخّروا، فأنزل الله عزّ وجلّ:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً}.
قال القرطبي (١): وإنما خصّ الرّبا هنا من بين سائر المعاصي؛ لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة ٢٧٩/ ٢]، والحرب يؤذن بالقتل؛ فكأنه يقول: إن لم تتّقوا الرّبا هزمتم وقتلتم، فأمرهم بترك الرّبا؛ لأنه كان معمولا به عندهم.
ودلّت عبارة {أَضْعافاً مُضاعَفَةً} المؤكّدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حالة التّضعيف خاصة، فإنهم كانوا يكرّرون التّضعيف عاما بعد عام.