للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودلّت آية {وَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} على أنّ النّار مخلوقة، ردّا على الجهمية؛ لأنّ المعدوم لا يكون معدّا.

وأرشدت آية {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ} إلى وجوب المبادرة إلى ما يوجب المغفرة، وهي الطاعة، وقدم المغفرة على الجنّة؛ لأنّ التّخلي مقدم على التّحلي، فلا يستحقّ دخول الجنّة من لم يتطهّر من الذّنوب أولا.

واختلف العلماء في تأويل قوله: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} فقال ابن عبّاس: تقرن السّموات والأرض بعضها إلى بعض، كما تبسط‍ الثياب، ويوصل بعضها ببعض، فذلك عرض الجنّة، ولا يعلم طولها إلا الله. وهذا قول الجمهور. ولم تقصد الآية تحديد العرض، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه. وأشارت آية {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} إلى أن الجنّة مخلوقة موجودة كالنّار، وهذا قول عامّة العلماء. ويؤيده نص حديث الإسرار وغيره في الصحيحين وغيرهما،

وحديث أبي ذر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما السّموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض».

وقالت المعتزلة: إنهما غير مخلوقتين في وقتنا، وإن الله تعالى إذا طوى السّموات والأرض، ابتدأ خلق الجنّة والنّار حيث شاء؛ لأنهما دار جزاء بالثّواب والعقاب، فخلقتا بعد التّكليف في وقت الجزاء؛ لئلا تجتمع دار التّكليف ودار الجزاء في الدّنيا؛ كما لم يجتمعا في الآخرة.

ويلاحظ‍ أنه تعالى أمر بالمسارعة إلى عمل الآخرة في آيات كثيرة:

{وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران ١٣٣/ ٣]، {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ} [الحديد ٢١/ ٥٧]، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} [البقرة ١٤٨/ ٢]، {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة ٩/ ٦٢]، {وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} [المطففين ٢٦/ ٨٣]، وأما السّعي للدّنيا فذكر بها تذكيرا برفق مثل: {فَامْشُوا فِي مَناكِبِها}

<<  <  ج: ص:  >  >>