إقدامهم على تلك الجرائم وهو حبّهم الدّنيا وبسطة النّعيم التي أبطرتهم فتركوا الدّين، لهذا قال موسى:{رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً}.
قال ابن كثير: هذه الدّعوة كانت من موسى عليه السّلام غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبيّن له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء، كما دعا نوح عليه السّلام، فقال:{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ، وَلا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً}[نوح ٢٦/ ٧١ - ٢٧] ولهذا استجاب الله تعالى لموسى عليه السّلام فيهم هذه الدّعوة التي أمّن عليها أخوه هارون، فقال تعالى:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما}.
قال أبو العالية: دعا موسى وأمّن هارون؛ فسمّي هارون وقد أمّن على الدّعاء داعيا.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل الرابع من قصة موسى مع فرعون، بعد وجود فاصل استطرادي للإخبار بإيمان طائفة بموسى عليه السّلام، فبعد أن أبى فرعون وملؤه قبول دعوة الحقّ من موسى عليه السّلام، واستمرّوا على ضلالهم وكفرهم معاندين عتاة متكبّرين، وبعد أن أعدّ موسى قومه بني إسرائيل للخروج من مصر، وغرس في قلوبهم الإيمان وإيثار العزّة والكرامة، بعد ذلك دعا ربّه مبيّنا سبب الدّعاء فقال:{رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً.}. أي أعطيتهم من الدّنيا والنّعمة ما أبطرهم، وهو الزّينة الشّاملة من حلي ولباس وأثاث ورياش وأموال كثيرة ومتاع الدّنيا ونحوها من الزّروع والأنعام، وأدّى النعيم بهم أن تكون عاقبة أمرهم إضلال عبادك عن الدّين، والطّغيان في الأرض، كما قال تعالى:{إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى}[العلق ٦/ ٩٦ - ٧]، ويشهد لما ذكر ما يوجد في قبور الفراعنة والآثار المصرية من الذهب والفضة والحلي والتّحف، وما بنوه من