في الآيات المتقدمة من مطلع السورة إلى هنا يوجد فيها ما يسمى بمراعاة الفواصل، الذي يزيد في روعة البيان القرآني، ويؤثر في سمع التالي والمستمع.
المفردات اللغوية:
{وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ} أي لم ننزل على قوم حبيب النجار من بعد قتلهم له.
{مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ} الجند: العسكر، والمراد هنا الملائكة لإهلاكهم وللانتقام منهم. {وَما كُنّا مُنْزِلِينَ} ملائكة لإهلاك أحد، لسبق قضائنا وقدرنا بأن إهلاكهم بالصيحة، لا بإنزال الجند، وهذا للدلالة على أن إنزال الجنود من عظائم الأمور، وهو تحقير لشأنهم، وتصغير لأمرهم، فهم ليسوا أهلا لأن ننزل لإهلاكهم جندا من السماء، بل أهلكناهم بصيحة واحدة. {إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً} أي ما كانت عقوبتهم إلا أن صاح بهم جبريل، فأهلكهم. {فَإِذا هُمْ خامِدُونَ} ساكتون هامدون ميتون لا يسمع لهم حسّ، كالرماد الخامد، فالخمود: انطفاء النار، والمقصود به هنا الموت.
{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ} الحسرة: الغم على ما فات، والندم عليه، والعباد: هؤلاء ونحوهم ممن كذب الرسل، فأهلكوا، ونداء الحسرة مجاز، أي هذا أوانك فاحضري. {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} هذا سبب الحسرة وهو الاستهزاء المؤدي إلى إهلاكهم.
{أَلَمْ يَرَوْا} ألم يعلموا أي أهل مكة القائلون للنبي: لست مرسلا، والاستفهام للتقرير، أي اعلموا. {كَمْ} خبرية بمعنى كثيرا، والمعنى: إنا {أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ} كثيرا. {مِنَ الْقُرُونِ} الأمم: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} أي ألم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم بعد هلاكهم، وضمير {أَنَّهُمْ} عائد للمهلكين، وضمير {إِلَيْهِمْ} عائد للمكذبين، أفلا يعتبرون بذلك؟! {وَإِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ}{إِنْ}: نافية بمعنى ما، و {لَمّا} بمعنى إلاّ، ويصح جعل «إن» مخففة من الثقيلة، ولما: بالتخفيف، واللام فارقة، وما: مزيدة. {جَمِيعٌ} مجموعون في الموقف بعد بعثهم. {لَدَيْنا} عندنا {مُحْضَرُونَ} للحساب.
المناسبة:
هذه الآيات تتمة قصة أصحاب القرية، أبان الله تعالى فيها حال المكذبين رسلهم، وأوضح سنة الله في أمثالهم في العذاب الدنيوي، ثم ما يتعرضون له من