ولما ثبت كون التعدد في الآلهة مستحيلا، وبطل قول الكفار في الأمرين معا، قال تعالى:{سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ} أي تنزه الله الحق الواحد الأحد عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك.
{عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ} أي أنه سبحانه هو المختص بعلم الغيب والشهادة، أي بعلم ما غاب عن إدراك الخلق من الأشياء، ويعلم ما يشاهدونه وما يرونه ويبصرونه، فهو يعلم الأمرين معا على حد سواء، وهذا دليل آخر على نفي الشريك؛ لأن غير الله وإن علم الشهادة أي الموجودات المرئيات أمامه، فلن يعلم معها الغيبيات غير المرئيات، وهذا دليل النقص، والله تعالى متصف بالكمال، فلا يكتمل النفع بعلم الشهادة وحدها، دون العلم بالغيب.
{فَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} أي تقدس وتنزه عما يقول الجاحدون الظالمون الذين يشركون معه إلها آخر.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذا دليل عقلي لا يقبل الإنكار والطعن من أحد، فالله لم يتخذ ولدا كما زعم بعض الكفار، ولا كان معه إله فيما خلق، فلو كانت معه آلهة لانفرد كل إله بخلقه، كما هو مقتضى العادة، ولغالب بعضهم بعضا، وطلب القوي الضعيف كالعادة بين الملوك، وحينئذ لا يستحق الضعيف المغلوب الألوهية.
وهذا كما يدل على نفي الشريك يدل على نفي الولد أيضا؛ لأن الولد ينازع عادة الأب في الملك منازعة الشريك.