بعد ما ذكر الله تعالى أن استئذان المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك كان بغير عذر، وأنهم أرادوا التخلف ثم استأذنوا سترا لنفاقهم، أقام الدليل هنا على ذلك وهو تركهم الاستعداد للمشاركة في هذه الغزوة، وأوضح أن خروجهم مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ما كان مصلحة، وإنما يؤدي إلى مفاسد ثلاثة: هي الإفساد والشر، وتفريق كلمة المؤمنين بالنميمة، والتسبب في سماع بعض ضعفاء الإيمان كلامهم وقبول قولهم.
فكانت الآية الأولى فضحا لاعتذارهم ونفاقهم، والآيتان الآخريان لتسلية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين على تخلفهم، وبيان ما ثبطهم الله لأجله، وكره انبعاثهم له، وهتك أستارهم، وكشف أسرارهم، وإزاحة اعتذارهم، تداركا لأسباب عتاب الرسول عليه الصلاة والسّلام على الإذن.
والخلاصة: تستمر الآيات في توضيح قبائح المنافقين، وبيان أخطارهم، وتحذير المؤمنين من مكائدهم.
التفسير والبيان:
ولو قصدوا الخروج معك إلى القتال لاستعدوا وتأهبوا له بإعداد السلاح والزاد والراحلة ونحوها، وقد كانوا مستطيعين ذلك، و {لكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ}، أي أبغض الله خروجهم مع المؤمنين، لما فيه من أضرار، فثبطهم أي أخرهم بما أحدث في قلوبهم من المخاوف، وفي نفوسهم من الكسل والفتور، وقيل لهم من الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم: اقعدوا مع القاعدين من النساء والأطفال والمرضى والعجزة الذين شأنهم القعود في البيوت، كما قال تعالى:{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ}[التوبة ٨٧/ ٩] وهم القاعدون والخالفون.