{مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ} أي من آدم، أو من جنس واحد {وَجَعَلَ} خلق زوجها حواء {لِيَسْكُنَ إِلَيْها} ليأنس بها ويطمئن إليها ويألفها {تَغَشّاها} جامعها، مثل غشيها {حَمَلَتْ} علقت منه {حَمْلاً خَفِيفاً} هو النطفة، والحمل بفتح الحاء: ما كان في بطن أو على شجرة، وبالكسر: ما كان على ظهر {فَمَرَّتْ بِهِ} استمرت حاملة له إلى وقت ميلاده {فَلَمّا أَثْقَلَتْ} صار الحمل ثقيلا وقرب وضعها {صالِحاً} أي ولدا أو نسلا صالحا أي سويا سليما في الجسم والفطرة {فَتَعالَى اللهُ} تعاظم وتنزه عن الشريك والولد {عَمّا يُشْرِكُونَ} أي أهل مكة به من الأصنام.
وأجريت الأصنام مجرى العقلاء أولي العلم في قوله:{وَهُمْ يُخْلَقُونَ} بناء على اعتقادهم فيها وتسميتهم إياها آلهة. والمعنى: أيشركون ما لا يقدر على خلق شيء كما يخلق الله وهم يخلقون.
وجملة {فَتَعالَى..}. عطف على {خَلَقَكُمْ} وما بينهما اعتراض.
المناسبة:
موضوع الآيات عود على بدء، فقد بدئت السورة بالكلام عن التوحيد واتباع القرآن، ثم ختمت بالكلام عن التوحيد وعن القرآن، والتذكير بالنشأة الأولى، كما ذكّر بها سابقا، لترسيخ العقيدة بوجود الله ووحدانيته، والامتناع عن الشرك، والعهد عن وسوسة الشيطان.
التفسير والبيان:
الله هو الذي خلقكم في الأصل من نفس واحدة، قال جمهور المفسرين:
المراد بالنفس الواحدة: آدم عليه السّلام، ثم خلق منه زوجته حواء، ثم انتشر الناس منهما، كما قال تعالى:{يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا}[الحجرات ١٣/ ٤٩] وقال تعالى: {يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً}[النساء ١/ ٤].
ورأى بعض المفسرين أن المعنى: خلقكم من جنس واحد وطبيعة واحدة،