حددت آية الكرسي ما يتصف به الله عز وجل من تفرد بالألوهية والملك والسلطان في السموات والأرض، والحياة، والقيام بأمر الخلائق دون عناء ولا مشقة، وإحاطة العلم بكل شيء، فلا يصح بعدئذ أن يكون هناك إكراه على الدخول في الدين؛ لأن الفطرة، والمشاهدات الكونية، والفكر السليم تهدي إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته والاقتناع بالإسلام دينا ومنهج حياة.
التفسير والبيان:
لا تكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، فإن دلائل صحته لا تحتاج بعدها إلى إكراه، ولأن الإيمان يقوم على الاقتناع والحجة والبرهان، فلا يفيد فيه الإلجاء أو القسر أو الإلزام والإكراه، كقوله تعالى:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس ٩٩/ ١٠].
وقد بان طريق الحق من الباطل، وعرف سبيل الرشد والفلاح، وظهر الغي والضلال، وأن الإسلام هو منهج الرشد، وغيره طريق الضلال، فمن شاء فليؤمن به ومن شاء فليكفر.
وهذه الآية أوضح دليل على بطلان زعم أن الإسلام قام بالسيف، فلم يكن المسلمون قبل الهجرة قادرين على مجابهة الكفار أو إكراههم، وبعد أن تقووا في المدينة وعلى مدى القرون الماضية لم يكرهوا أحدا على الإسلام، كما يفعل أتباع الملل الأخرى كالنصارى، وقد نزلت هذه الآية في بداية السنة الرابعة من الهجرة، حيث كان المسلمون أعزاء وأقوياء.
ولم يلجأ المسلمون إلى الحرب أو الجهاد إلا لرد العدوان، والتمكين من حرية التدين، ومنع تعسف السلطة الظالمة الحاكمة من استعمال المسلمين حقهم في الدعوة