وإن كان طائفة (١) منكم آمنوا بما أرسلت به، ولم تؤمن طائفة أخرى، أي قد اختلفتم علي فاصبروا أي فتربصوا وانتظروا حكم الله الذي يفصل بين الفريقين، بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم. وهذا وعيد وتهديد للكافرين بانتقام الله منهم، كقوله تعالى:{فَتَرَبَّصُوا إِنّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}[التوبة ٥٢/ ٩] أو هو عظة للمؤمنين وتسلية لقلوبهم وحث على الصبر واحتمال ما يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم، وينتقم لهم منهم. والظاهر أنه خطاب للفريقين يراد منه حمل المؤمنين على الصبر على أذى الكفار، وزجر من لم يؤمن، حتى يحكم الله، فيميز الخبيث من الطيب.
{وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ} فإنه سيجعل العاقبة للمتقين، والدمار على الكافرين؛ لأن حكمه حق وعدل، لا يخاف فيه الحيف أو الظلم.
فقه الحياة أو الأحكام:
ماذا يفعل الأنبياء؟ إنهم لا يملكون غير الدعوة إلى الله بالكلمة الحسنة، والإقناع والإتيان بالبراهين الكونية والعقلية، ثم النهي عن الفساد والإفساد، ثم التذكير بنعم الله تعالى على البشر، ثم حملهم على الطاعة والانقياد لأوامر الله بدعوتهم إلى الاعتبار والاتعاظ بتدمير الأمم والشعوب المفسدة، وانتظار الحكم الفاصل النهائي لله رب العالمين، وحكمه حق وعدل لا جور فيه.
هذا ما فعله شعيب عليه السلام وغيره من الأنبياء مع أقوامهم، دعاهم إلى أصلين: تعظيم أمر الله ويشمل الإقرار بالتوحيد وتصديق النبوة، والشفقة على خلق الله ويشمل ترك البخس وترك الإفساد وكل أنواع الإيذاء، وتلك هي التكاليف الخمسة.
(١) ذكّر لفظ الفعل وهو «كان» مراعاة للمعنى، ولو راعى اللفظ قال: «كانت».