يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها» (١) أي أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يؤثر فيه إلا مريم وابنها.
فتقبل الله مريم من أمها بأبلغ قبول حسن، ورضي أن تكون محررة خالصة للعبادة وخدمة البيت على صغرها وأنوثتها، ورباها ونماها بما يصلح أحوالها تربية عالية تشمل الجسد والروح، كما يربى النبات في الأرض الصالحة بعد تعهد الزارع إياه بالسقي والتسميد والعزق وقلع الأعشاب الضارة من حوله.
وجعل زكريا-وكان زوج وخالتها وكان معروفا بالخلق والتقوى-كافلا لها وراعيا مصالحها حتى شبت وترعرعت. وإنما قدر الله كون زكريا كفيلها لسعادتها، لتقتبس منه علما جما نافعا وعملا صالحا.
وكان كلما دخل زكريا عليها المحراب، وجد عندها خيرا كثيرا ورزقا وافرا، وألوانا من الطعام لا توجد في مثل ذلك الوقت، قال جماعة من مفسري التابعين: كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف.
فيقول لها: يا مريم، من أين لك هذا؟ والأيام أيام جدب وقحط، قالت: هو من عند الله الذي يرزق الناس جميعا، بتسخير بعضهم لبعض، إن الله يرزق من يشاء من عباده بغير حساب. قيل: هو من قول مريم، ويجوز أن يكون كلاما مستأنفا، فكان ذلك سبب دعاء زكريا وسؤاله الولد.
فقه الحياة أو الأحكام:
كان المشركون وأهل الكتاب ينكرون نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه بشر مثلهم، ولأنه ليس من بني إسرائيل، فرد الله عليهم: إن الله اصطفى آدم أبا البشر.
(١) وفي لفظ: «ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مسّه إياه، إلا مريم وابنها» ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.