{يا} للتنبيه. {قَبْلَ هذا} الأمر، استحياء من الناس ومخافة لومهم. {نَسْياً} ما من شأنه أن ينسى ولا يطلب، ككل شيء حقير من وتد وحبل. {مَنْسِيًّا} منسي الذكر، وهو ما لا يخطر بالبال لتفاهته، والمراد من الكلمتين: شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر.
{فَناداها مِنْ تَحْتِها} أي عيسى، وقيل: جبريل وكان أسفل منها أي من مكانها. وقيل:
ضمير {تَحْتِها} عائد للنخلة. {أَلاّ تَحْزَنِي} أي لا تحزني أو بألا تحزني. {سَرِيًّا} جدولا أو نهر ماء، هكذا روي مرفوعا، وقيل: السري: السيد الشريف، أي سيدا شريفا وهو عيسى.
{وَهُزِّي} الهز: تحريك الشيء بعنف أو بدونه، أو أميليه إليك أو افعلي الهز والإمالة به.
{فَكُلِي} من الرطب. {وَاشْرَبِي} من السري-النهر. {وَقَرِّي عَيْناً} أي لتقر عينك به، أي تسكن، فلا تطمح إلى غيره. {فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} أي إن تري آدميا، فيسألك عن الولد. {فَقُولِي} أشيري إليهم، قال الفراء: العرب تسمي كل ما أفهم الإنسان شيئا كلاما بأي طريق كان. {نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً} أي صمتا أو إمساكا عن الكلام في شأنه وشأن غيره من الناس، بدليل:{فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} أي أحدا من الناس بعد ذلك، أي بعد أن أخبرتكم عن نذري.
التفسير والبيان:
{فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا} أي فاضطرها وألجأها وجع الولادة وألم الطلق إلى الاستناد إلى جذع النخلة والتعلق به، لتسهيل الولادة، فتمنت الموت قبل ذلك الحال، استحياء من الناس، وخوفا أن يظن بها السوء في دينها، أو أن تكون شيئا لا يبالي به، ولا يعتد به أحد من الناس كالوتد والحبل، أو لم تخلق ولم تك شيئا. قال ابن كثير: فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية. قال الزمخشري: أجاء منقول من جاء إلى معنى الإلجاء.