وهذا الجزاء في مقابل جزاء الكافرين السابق ذكره:{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ} فكما أن للكافرين النيران، يكون للمؤمنين الجنان أجر عملهم.
ومن صفات هؤلاء العاملين:
الصبر والتوكل:
{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي إن أولئك المؤمنين الذين صبروا على القيام بواجبات دينهم من صلاة وصيام وهجرة في سبيل الله، وجهاد الأعداء، ومفارقة الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله، وتحمل أذى المشركين، وتوكلوا على ربهم وفوضوا إليه أمورهم في أحوالهم كلها في دينهم ودنياهم، فقاموا بما يجب عليهم، ثم تركوا أمر تحقيق النتائج إلى ربهم، من نصر ونجاح ورزق وعزة وغير ذلك.
وذكر صفتي الصبر والتوكل هنا مناسب للمقام، فإن الهجرة والجهاد وترك الأوطان ومفارقة الإخوان تتطلب الصبر على تحمل الأذى، والمواظبة على عبادة الله تعالى والتوكل عليه.
ثم ذكر الله تعالى ما يعين على التوكل وهو معرفة أن الله هو الكافي في رزق مخلوقاته فقال:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، اللهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي إن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين وجدوا، فكم من دابة لا تطيق حمل رزقها لضعفها، ولا تستطيع جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئا لغد، الله يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره لها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه ويكفيه، سواء كان في باطن الأرض، أو طيرا في الهواء، أو حوتا في الماء، والله هو السميع لأقوال عباده، العليم بضمائرهم وأسرارهم وما في قلوبهم.