وبعد أن ذكر أن عذاب الكفار، وإن تأخر، فلا بد من مجيئه، ذكر بعده ما يدل على كفرهم واستحقاقهم لذلك العذاب، وهو سوء طبع الإنسان، ففي حال النعمة يبطر ويتفاخر، وفي حال الضر يجحد وييأس من رحمة الله، إلا من صبر وشكر وعمل صالحا.
التفسير والبيان:
والله لئن أخرنا العذاب عن الكفار أو المشركين، بعد أن توعدهم به الرسول صلى الله عليه وسلّم، إلى حين من الزمان، على وفق سنتنا وحكمتنا:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ}[الرعد ٣٨/ ١٣] لقالوا استهزاء وتكذيبا واستعجالا: ما يحبسه؟ أي ما الذي يؤخر هذا العذاب عنا؟ ومعنى {إِلى أُمَّةٍ} إلى أجل معلوم وحين معلوم.
فأجابهم الله تعالى بأنه إذا جاء الوقت الذي عينه الله لنزول ذلك العذاب الذي كانوا يستهزئون به، لم يصرفه عنهم صارف، وسيحيط بهم حينئذ من كل جانب، جزاء بما كانوا يستهزئون به من العذاب قبل وقوعه، كما قال تعالى:
{إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ، ما لَهُ مِنْ دافِعٍ}[الطور ٧/ ٥٢ - ٨] والمضاف الذي هو جزاء محذوف.
ثم أخبر تعالى عن صفات الإنسان الذميمة إلا من رحم الله من عباده المؤمنين: أنه إذا أعطاه الله نعمة من صحة ورزق وأمن وولد بارّ، رحمة منه، ثم سلبه تلك النعمة، وأبدله بها نقمة من مرض أو فقر أو خوف أو موت أو كارثة، أضحى شديد اليأس من رحمة ربه، كثير الكفر والجحود للماضي ولما عليه من نعم أخرى، فهو قانط بالنسبة للمستقبل، جاحد لماضي الحال كأنه لم ير خيرا، ولما عليه الآن من النعم، وذلك لعدم التزامه بفضيلة الصبر والشكر.
وإن أعطاه الله نعمة من بعد ضراء، كشفاء من مرض، وقوة من بعد ضعف، ويسر من بعد عسر، لقال: ذهب ما كان يسوؤني من المصائب، ولن