فضل أبي بكر رضي الله عنه وشرفه، وحث على صلة الرحم، فهذا في غاية الترفق والعطف في صلة الأرحام.
{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} أي ليعفوا عن المسيء، ويصفحوا عن خطأ المذنب، فلا يعاقبونه ولا يحرمونه من عطائهم، وليعودوا إلى صلتهم الأولى، فإن من أخطأ مرة يجب ألا يتشدد في العقاب عليه، وقد عوقب مسطح بالحد والضرب، وكفى ذلك، وزلق زلقة تاب الله عليه منها.
{أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي ألا تريدون أن يستر الله عليكم ذنوبكم، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر ذنب من أذنب إليك، يغفر الله لك، وكما تصفح يصفح عنك:«من لا يرحم لا يرحم»(١) والله غفور لذنوب عباده الطائعين التائبين، رحيم بهم فلا يعذبهم بزلّة حدثت ثم تابوا عنها، فتخلقوا بأخلاق الله تعالى.
وهذا ترغيب في العفو والصفح، ووعد كريم بمغفرة ذنوب التائبين، لذا بادر أبو بكر الصدّيق إلى القول:«بلى، والله، إنا نحب أن تغفر لنا يا ربّنا» ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال:«والله لا أنزعها منه أبدا».
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه جملة من الآداب والزواجر، أرشدت إليها قصة الإفك، وهي تربية عالية للمجتمع، وصون لأخلاقه من التردي والانحدار، ونبذ للعادات السيئة في إشاعة الأخبار دون علم ولا تثبت، وقد دلت الآيات على ما يلي:
١ - إن داء الأمة ينبع من داخلها، وأخطر داء فيها زعزعة الثقة بقادتها ومصلحيها، وتوجيه النقد الهدام لهم، ومحاولة النيل من عرضهم وسمعتهم
(١) هذا حديث صحيح أخرجه الطبراني عن جرير بلفظ: «من لا يرحم لا يرحم، ومن لا يغفر لا يغفر له، ومن لا يتب لا يتب عليه».