للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تذكّرهم هذه الآية بالعهد الذي أخذه الله على آبائهم بالعمل بما أمروا به من عبادات ومعاملات، ثم إهمالهم له، وتركهم اتباعه. وهذا كله ليبين الله لرسوله انقطاع الأمل في إيمان اليهود المعاصرين له، لأنهم يتوارثون عادة التطبع بقبائح أسلافهم، فهي تمنعهم من الهدى والرشاد

التفسير والبيان:

اذكر أيها النّبي حين أخذنا الميثاق على بني إسرائيل، أنهم لا يعبدون إلا الله سبحانه، فلا يشركون به سواه من ملك أو صنم أو بشر بدعاء أو غيره من أنواع العبادات، وأنهم يحسنون إلى الوالدين إحسانا كاملا، بأن يرعوهما حق الرعاية، ويعطفوا عليهما، ويطيعوهما فيما لا يخالف أوامر الله، وقد جاء في التوراة: أن من يسب والديه يقتل، وأن يحسنوا بالمال إلى ذي القرابة والأيتام والمساكين بسبب ضعفهم وعجزهم وحاجتهم، وأن يقولوا قولا حسنا لا إثم فيه ولا شر، بالقول الجميل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع حفض الجناح ولين الجانب، وأن يؤدوا صلاتهم أداء تاما، لأن الصلاة تصلح النفوس، وتهذب الطباع وتحليها بأنواع الفضائل، وتمنعها عن الرذائل، وأن يؤتوا الزكاة للفقراء، لما فيها من تحقيق التكافل الاجتماعي بين الناس، وإسعاد الفرد والجماعة، وإشاعة الرفاه والهناءة للجميع.

ولكن اليهود الذين اعتادوا الغدر، واستماتوا في حب المادة، أعرضوا قصدا وعمدا عن تنفيذ الأوامر الإلهية، وعن العمل بالميثاق، والخلف منهم معرض عن التوراة مثل السلف، ما عدا نفرا قليلا منهم مثل عبد الله بن سلام وأشباهه من المخلصين العقلاء، المحافظين على الحق بقدر الطاقة، لكن وجود القلائل من الصالحين في الأمة لا يمنع عنها العقاب إذا فشا فيها الفساد وعم البلاء، كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال ٢٥/ ٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>