وقد أهلكهم الله بعذاب الاستئصال، فليس نعيم الدنيا قرينة على محبة الله، ولا سوء الدنيا علامة على غضب الله.
ثم رد عليهم ردا ثانيا بقوله:{قُلْ: مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ.}. ومضمونه:
لا بد أن يأتيهم عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، وحينئذ سيعلمون أن نعم الدنيا لا تنقذهم من ذلك العذاب.
روي أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث وأشباهه من قريش، حينما رأوا أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في خشونة عيش ورثاثة ثياب، وهم في غضارة العيش ورفعة الثياب.
التفسير والبيان:
{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} إذا تليت على الكفار آيات الله القرآنية واضحات الدلالة والبرهان، مبينات المقاصد، صدوا عن ذلك وأعرضوا وقالوا مفتخرين على المؤمنين ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل: أي الفريقين (المؤمنين والكافرين) خير منزلا ومسكنا، وأكبر جاها، وأكثر أنصارا؟ والندي: النادي والمجلس، وهو مجتمع الرجال للحديث ومجلسهم، والعرب تسمي المجلس النادي، فكيف نكون على الباطل، وأولئك الضعفاء الفقراء المختفون المستترون في دار الأرقم على الحق؟ كما أخبر تعالى عنهم في آية أخرى:{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ.}.
[الأحقاف ١١/ ٤٦]. وهذا اغترار بظاهر الحال في الدنيا، متوهمين أن من كان غنيا ثريا كان على الحق والصواب، ومن كان فقيرا كان على الباطل.
فرد الله تعالى عليهم شبهتهم بقوله:
{وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً} هذا هو الجواب الأول