للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى} {وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى} مقابلة بينها وبين {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}.

{تَقْهَرْ} و {تَنْهَرْ} جناس ناقص لتغير الحرف الثاني من الكلمة.

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى، وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى} سجع مرصّع: وهو توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات.

المفردات اللغوية:

{وَالضُّحى} وقت ارتفاع الشمس أول النهار. {وَاللَّيْلِ إِذا سَجى} سكن وغطى بظلامه الأشياء. وإنما قدم ذكر الليل في السورة السابقة، وأخره في هذه السورة، للتنويه بفضيلة كل واحد من الليل والنهار، فالليل له فضيلة السبق، وللنهار فضيلة النور، فيقدم هذا تارة، وهذا تارة أخرى. وإنما حلف بالضحى والليل فقط‍ للتنويه بقيمة الزمان الذي يدل عليه مرور النهار والليل. وخص وقت الضحى بالذكر؛ لأنه وقت اجتماع الناس، وكمال الأنس بعد وحشة زمان الليل. وذكر الضحى وهو ساعة من النهار، وذكر الليل كله إشارة إلى أن ساعة من النهار في الإنتاج توازي جميع الليل، كما أن محمدا إذا قورن بغيره يوازي جميع الأنبياء (١).

{ما وَدَّعَكَ} ما قطعك أو فارقك قطع المودّع أو مفارقته، وقرئ {وَدَّعَكَ} بالتخفيف، أي تركك. وهو جواب القسم. {وَما قَلى} ما أبغضك ربك، والقلى: شدة الكره، وقد نزل هذا لما قال الكفار عند تأخر الوحي عنه خمسة عشر يوما: إن ربه ودعه وقلاه.

{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى} لما فيها من الكرامات، ولأنها باقية خالصة عن الشوائب، والدنيا فانية مشوبة بالمضارّ. وهذا تنويه بقدر النبي صلّى الله عليه وسلّم وإعداده للنبوة، ومواصلته بالوحي والكرامة في الدنيا، والإخبار بعلو منزلته في الآخرة، فإنه لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال.

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} يعطيك ربك في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلا، فترضى به، وهو وعد شامل بالعطاء الجزيل، ومنه الشفاعة العظمى،

فقال صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه الخطيب في تلخيص المتشابه: «إذن لا أرضى، وواحد من أمتي في النار». وهذا تمام جواب القسم بمثبتين بعد منفيين.

{أَلَمْ يَجِدْكَ} استفهام تقرير، أي وجدك {يَتِيماً} بفقد أبيك قبل ولادتك أو بعدها.

{فَآوى} ضمك إلى عمك أبي طالب. وهذا وما بعده تعداد لما أنعم الله به على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، تنبيها على أنه كما أحسن إليه فيما مضى، يحسن إليه فيما يستقبل. {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى} لا يمكن حمل الضلال هنا على ما يقابل الهدى؛ لأن الأنبياء معصومون من ذلك، قال العلماء: إنه ما كفر


(١) تفسير الرازي: ٢٠٧/ ٣١ - ٢٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>