أو مجنونا. {ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ..}. الآية كالتفسير له، أي مثل تكذيبهم لك بقولهم: إنك ساحر أو مجنون تكذيب الأمم قبلهم رسلهم بقولهم ذلك.
{أَتَواصَوْا بِهِ} أي هل أوصى أولهم آخرهم؟ استفهام بمعنى النفي على سبيل التعجب، أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول، حتى قالوه كلهم. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول طغيانهم.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أعرض عنهم وعن مجادلتهم بعد الإصرار والعناد. {فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ} لست ملوما على الإعراض عنهم، لأنك بلّغتهم الرسالة وبذلت الجهد في التذكير. {وَذَكِّرْ} داوم على التذكير والموعظة بالقرآن. {فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}: من علم الله تعالى أنه يؤمن، فإن التذكير يزيده بصيرة.
{إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} إلا لنأمرهم بالعبادة ويعبدوا الله بالفعل لا لاحتياجي إليهم، فإن أعرض أو قصر بعضهم أو أكثرهم فعليه تبعة فعله. {ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ.}. لا أريد منهم الاستعانة بهم على تحصيل أرزاقهم ومعايشهم لأنفسهم أو غيرهم وهو أولى. {وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} أن يطعموا أنفسهم أو غيرهم. والمراد بيان أن شأن الله مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإنهم يملكونهم للاستخدام في حوائجهم {الرَّزّاقُ} الذي يرزق كل محتاج، وفيه إيماء باستغنائه عن الرزق. {الْمَتِينُ} الشديد القوة.
{ظَلَمُوا} أنفسهم بالكفر من أهل مكة وغيرهم. {ذَنُوباً} نصيبا من العذاب، وأصل الذنوب في اللغة: الدّلو العظيمة المملوءة ماء. {مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ} مثل نصيب نظائرهم من الأمم السالفة، الهالكين قبلهم. {فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} بالعذاب إن أخّرتهم إلى يوم القيامة، وهو جواب لقولهم:{مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}[الملك ٢٥/ ٦٧]. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي هلاك لهم وشدة عذاب. {مِنْ يَوْمِهِمُ} في يومهم وهو يوم القيامة.
سبب النزول
نزول الآيتين (٥٥، ٥٤):
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} .. {وَذَكِّرْ.}.: أخرج ابن منيع وابن راهويه والهيثم بن كليب في مسانيدهم عن علي قال: لما نزلت: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ} لم يبق منا أحد إلا أيقن بالهلكة، إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم، فنزلت: