أضواء من السيرة على سبب نزول السورة (صلح الحديبية وبيعة
الرضوان):
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد رأى في المنام وهو في المدينة المنورة أنه دخل مكة، وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، ففرحوا فرحا عظيما.
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المدينة في ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة معتمرا (زائرا البيت الحرام) لا يريد حربا، ومعه ألف وخمس مائة (١٥٠٠) من المهاجرين والأنصار ومسلمي الأعراب، وساق معه الهدي (١)، وأحرم بالعمرة من «ذي الحليفة» وخرج معه من نسائه أم سلمة رضي الله عنها.
ولم يكن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحبه غير سلاح المسافر: السيوف في القرب، فبعث عينا له من خزاعة، يخبره عن قريش، فلما أصبح قريبا من «عسفان» -موضع بين مكة والمدينة-على مرحلتين من مكة، أتاه عينه بشر بن سفيان الكعبي قائلا: يا رسول الله، هذه قريش علمت بمسيرك، فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل (النوق ذات اللبن والأولاد) أي عازمين قاصدين طول الإقامة، وقد نزلوا بذي طوى، يحلفون بالله، لا تدخلها عليهم أبدا، وقد جمعوا لك الأحابيش (جماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة) وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت.
فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ عثمان بن عفان إلى قريش يبلّغهم قصد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنه لا يريد إلا العمرة، فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن عثمان قد قتل، فدعا المسلمين إلى البيعة، واجتمعوا تحت الشجرة-شجرة الرضوان، فبايعوه على القتال وألا يفروا، وتسمى بيعة الشجرة أو بيعة الرضوان، قال سلمة بن الأكوع رضي
(١) يسن للقادم إلى مكة أن يهدي إلى الحرم شيئا من الأنعام (الإبل والبقر والغنم) ويسمى ذلك هديا.