للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببيان عقائد المشركين وتفنيدها وتقبيحها، ومن تلك العقائد: إثبات الأولاد لله تعالى، ونسبة البنات لله بقولهم: «الملائكة بنات الله» وجعل البنين لأنفسهم، ثم افتراؤهم بجعل الملائكة إناثا لا ذكورا، ثم أعلن تعالى حملته الشديدة على المشركين، فأبان أنهم عاجزون عن إضلال أحد إلا إذا كان هو من أهل الضلال وأصحاب الجحيم، في علم الله السابق. وناسب بعدئذ إيراد تصريح الملائكة بعبوديتهم لله للرد على المشركين الذين زعموا أنهم بنات الله.

التفسير والبيان:

عطف الله تعالى هذه الآيات على قوله في أول السورة: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا} فقال: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} أي استخبرهم يا محمد على سبيل التوبيخ، وسلهم مؤنبا ومقرعا ومنكرا على هؤلاء المشركين في قسمتهم وسفه عقولهم، في جعلهم لأنفسهم البنين، وهو النوع الجيد، ولله تعالى البنات التي يكرهونها أشد الكره، كما قال تعالى: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل ٥٨/ ١٦] أي يسوؤه ذلك، ولا يختار لنفسه إلا البنين، فكيف يجعلون لله أدنى الجنسين وهو الإناث، ولهم أعلاها وهم الذكور؟.

والمراد بالآية: بيان جور القسمة وإظهار شدة الغرابة، كيف نسبوا إلى الله تعالى النوع الذي لا يختارونه لأنفسهم؟ كما في قوله عز وجل: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} [النجم ٢١/ ٥٣ - ٢٢].

{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ} بل كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث، وما شاهدوا خلقهم؟ وهذا انتقال عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه، فكيف جعلوهم إناثا، وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم، وذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة، ولم يشهدوا، فلم يقم لهم دليل يدل على قولهم، لا من النقل الصحيح، ولا من العقل السليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>