وهكذا ينزل الله المطر من طبقات السحب المتكاثفة التي تشبه الجبال، كما ينزل الثلج والبرد بحسب نسبة تأثير البرودة في الأبخرة المتصاعدة. وكل ما علا الإنسان فهو سماء، فالسماء هي الغيم المرتفع على رؤوس الناس. وتكون الجبال كناية عن السحاب المشاهد الآن لكل راكب في الطائرة التي ترتفع عادة أكثر من ثلاثين ألف قدم في الجو فوق السحب البيضاء المتجمعة كالجبال الشاهقة (١) ويرى مفسرون آخرون أن جبال البرد قائمة فعلا في السماء، وينزل الله منها البرد، وهذا المعنى تؤيده بعض النظريات الحديثة التي تثبت أن في طبقات الجو ما يشبه الجبال مكونة من برد، وقد تنزل زيادة على ما يصعد من بخار البحار.
وتتحكم إرادة الله وقدرته وتصريفه في كيفية إنزال المطر، فيصيب بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد من يشاء من عباده رحمة لهم، ويحجبه عمن يشاء، ويؤخر الغيث عمن يريد، إما نقمة وإما رحمة من إسقاط الثمار والأزهار وإتلاف الزروع والأشجار.
وأعجب من ذلك كله خلق الضد من الضد وهو النار من البارد، حتى ليكاد أو يقرب ضوء برق اصطدام الغيوم من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته.
النوع الثالث-اختلاف الليل والنهار:
{يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ} أي إن الله عزّ وجلّ يتصرف في الليل والنهار بزيادة أحدهما ونقص الآخر، وتغير أحوالهما
(١) قال بعض النحاة في قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ مِنْ الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة لبيان الجنس، كما قدمنا في الإعراب، وهذا إنما يجيء على قول بعض المفسرين إلى أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد. وأما من جعل الجبال هاهنا كناية عن السحاب، فإن مِنْ الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا، لكنها بدل من الأولى، والله أعلم (تفسير ابن كثير: ٢٩٧/ ٣).