{أُتْرِفْتُمْ} أي نعمتم، والإتراف: التنعم والتلذذ، أو إبطار النعمة. {وَمَساكِنِكُمْ} التي كانت لكم {لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ} أي لتسألوا غدا عن أعمالكم أو تعذبون، فإن السؤال من مقدمات العذاب {يا وَيْلَنا} يا هلاكنا، ويا: للتنبيه {ظالِمِينَ} بالكفر {فَما زالَتْ تِلْكَ} الكلمات {دَعْواهُمْ} أي دعوتهم التي يردّدونها، أي ما زالوا يكررون تلك الكلمة {حَصِيداً} محصودين، كما يحصد الزرع بالمناجل، بأن قتلوا بالسيف {خامِدِينَ} ميتين، كخمود النار إذا طفئت.
{لاعِبِينَ} عابثين، بل دالين على قدرتنا ومرشدين عبادنا {لَهْواً} ما يلهى به من زوجة أو ولد. والفرق بين اللعب واللهو: أن الأول لا يقصد به هدف صحيح، والثاني يقصد به الترويح عن النفس {مِنْ لَدُنّا} من عندنا من الحور العين والملائكة {إِنْ كُنّا فاعِلِينَ} ذلك، لكنا لم نفعله فلم نرده.
{نَقْذِفُ} نرمي رميا بعيدا {بِالْحَقِّ} الإيمان {عَلَى الْباطِلِ} الكفر {فَيَدْمَغُهُ} يذهبه ويقهره ويهلكه، وأصل الدمغ: كسر الشيء الرخو، وإصابة الدماغ بالضرب، وهو مقتل {فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} ذاهب وهالك وزائل {وَلَكُمُ} يا كفار مكة {الْوَيْلُ} العذاب الشديد {مِمّا تَصِفُونَ} الله به من الزوجة أو الولد.
{وَلَهُ} لله تعالى {مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ملكا {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ} لا يتعظمون {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} لا يكلون ولا يعيون ولا يتعبون {يُسَبِّحُونَ} ينزهونه ويعظمونه دائما {لا يَفْتُرُونَ} لا يضعفون.
المناسبة:
هذه الآيات مبالغة في زجر الكفار عن عصيانهم وكفرهم، فبعد أن أبان الله تعالى أنه أهلك المسرفين في تكذيبهم وكفرهم بالله، ونصر الأنبياء المرسلين عليهم، وأسقط اعتراضاتهم التي أظهرت إعجاز القرآن، وأوضحت أن إيراد تلك الاعتراضات كان لحب الدنيا وحب الرياسة فيها، بالغ تعالى في زجرهم عن ذلك، فقال:
{وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً، وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ} أي كثيرا ما أهلكنا من أهل القرى الذين كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر بالله وتكذيب