الدنيا دار ابتلاء واختبار، والبلاء يكون حسنا، ويكون سيئا، وأصله المحنة، قال الله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء ٣٥/ ٢١] وقال:
{وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً}[الأنفال ١٧/ ٨] والله عزّ وجلّ يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره، فقيل للحسن بلاء، وللسيء بلاء. وتؤكد الآية (١٥٥) أن الامتحان قائم، والمعنى لنمتحننّكم حتى نعلم المجاهد والصابر علم معاينة، حتى يقع عليه الجزاء.
والصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدلّ على قوة القلب وثباته في مقام الصبر، وهو معنى
حديث أنس المتقدم:«إنما الصبر عند الصدمة الأولى». وأما إذا بردت حرارة المصيبة، فكل أحد يصبر إذ ذاك.
والصبر صبران: صبر عن معصية الله، فصاحبه مجاهد، وصبر على طاعة الله، فصاحبه عابد، والثاني أكثر ثوابا، لأنه المقصود. فإذا صبر عن معصية الله، وصبر على طاعة الله، أورثه الله الرضا بقضائه. وعلامة الرضا: سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات: وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب فذاك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب.
وإذا أصيب المؤمن بمصيبة: وهي النكبة التي تصيب الإنسان، وإن صغرت، قال:{إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}.
روى عكرمة أن مصباح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انطفأ ذات ليلة، فقال:{إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} فقيل:
أمصيبة هي يا رسول الله؟ قال:«نعم، كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة» فالمصيبة إذن: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه،
وروى مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما يصيب المسلم من