{خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ} جملة مفسّرة للمثل، وهي موضع رفع خبر مبتدأ محذوف، كأنه قيل:
ما المثل؟ فقال: خلقه من تراب، أي المثل خلقه من تراب. ولا يجوز أن يكون وصفا لآدم؛ لأن آدم معرفة، والجملة لا تكون إلا نكرة، والمعرفة لا توصف بالنكرة. ولا يجوز أيضا أن يكون حالا؛ لأن {خَلَقَهُ} فعل ماض، والفعل الماضي لا يكون حالا.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} الحق: خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا الحقّ من ربّك، أو هو الحقّ، أي أمر عيسى.
{وَما مِنْ إِلهٍ} من: زائدة للتوكيد.
البلاغة:
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أتى بوصف الربوبية وأضافه إلى الرّسول عليه الصلاة والسلام لتشريفه.
{فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} هذا من باب الإثارة والإلهاب، لزيادة التّثبيت.
المفردات اللغوية:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسى} المثل: الشأن الغريب والحال المدهشة. {عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ} أي كشأنه في خلقه من غير أم ولا أب، وهو من تشبيه الغريب بالأغرب، ليكون أوقع في النفس وأقطع لقول الخصم.
والمراد أنّ شبه عيسى وصفته في خلق الله إياه على غير مثال سبق، كشأن آدم في ذلك، ثم فسّر هذا المثل بقوله:{خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ} أي خلق قالبه وقدر أوضاعه وكون جسمه من تراب ميّت أصابه الماء، فكان طينا لازبا لزجا. ثم قال له: كن بشرا، فكان، وكذلك عيسى قال له:
كن من غير أب فكان.
{فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} الشاكين فيه، الامتراء: الشّك. {فَمَنْ حَاجَّكَ} جادلك من النصارى. {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} نتضرّع في الدّعاء، وابتهل القوم: تلاعنوا، والبهلة: اللعنة. {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ} بأن نقول: اللهمّ العن الكاذب في شأن عيسى.
وقد دعا صلّى الله عليه وسلّم وفد نجران لذلك، لما حاجوه به، فقالوا: حتى ننظر في أمرنا، ثم نأتيك، فقال ذو رأيهم-مستشارهم، واسمه «العاقب»: «لقد عرفتم نبوّته، وأنه ما باهل قوم نبيّا إلا هلكوا»، فودّعوا الرجل وانصرفوا، فأتوا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وقد خرج، ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي، وقال لهم: إذا دعوت، فأمّنوا، فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية. رواه نعيم.