للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عدم الفائدة من دعوة من سيطرت عليه الأهواء إلى الدين الحق، فانظر فيمن جعل هواه إلهه، بأن أطاعه وبنى عليه أمر دينه، واستولى عليه التقليد، وصمّ أذنه عن سماع الدليل المقنع والبرهان الساطع، فكل ما زين له الهوى شيئا انقاد له، وحينئذ لن تستطيع منعه من الشرك والمعاصي، ولن تكون مستطيعا دعوته إلى الهدى ولا وليا حافظا على شؤونه لتقمعه عن الضلال، وترشده إلى الهدى والصواب؛ فما استحسنه بهواه جعله دينه ومذهبه، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ، فَرَآهُ حَسَناً، فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ} الآية [فاطر ٨/ ٣٥].

قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني، وترك الأول.

وهذا دليل على ألا حجة لهم في عبادة الأصنام إلا التقليد واتباع الأهواء، ولا يرشد إلى طريقهم فكر ولا عقل سليم.

ونظير الآية قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية ٢٢/ ٨٨]، وقوله سبحانه: {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ} [ق ٤٥/ ٥٠]، وقوله عزّ وجلّ:

{لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ} [البقرة ٢٥٦/ ٢].

الثالث:

{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ، إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} وهذا ذمّ أشد مما سبق، لذا عبر عنه بقوله {أَمْ} أي بل للإضراب عما سبق إليه، والمعنى بل أتظن أن أكثرهم يسمعون سماع تدبر وفهم، أو يتعقلون ويفكرون فيما تتلو عليهم، وترشدهم إليه من الفضائل والأخلاق الحميدة، فتجهد نفسك في إقناعهم بدعوتك، ونقلهم إلى العقيدة الصحيحة، فما حالهم إلا كالأنعام السائمة، بل هم أسوأ حالا من الأنعام السارحة، وأخطأ طريقا منها، فإن تلك البهائم تفعل ما هو خير لها ونفع، وتتجنب ما هو ضارّ

<<  <  ج: ص:  >  >>