{وَفِي مُوسى} معطوف على قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ} قال الزمخشري وابن عطية:
وهذا بعيد جدا ينزّه القرآن عن مثله. والأصح العطف على قوله:{وَتَرَكْنا فِيها} والمعنى:
وجعلنا في قصة موسى آية. {بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} أي مصحوبا متلبسا بسلطان مبين، أي بحجة واضحة هي معجزاته، كاليد والعصا. {فَتَوَلّى} أعرض عن الإيمان. {بِرُكْنِهِ} أي كقوله: نأى بجانبه، أو فتولى عن الإيمان مع جنوده وأتباعه، لأنهم له كالركن، والأصل في الركن: ما يركن إليه الشيء ويتقوّى به، والمراد هنا: جنوده وأعوانه، كما في آية:{أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود ٨٠/ ١١].
{وَقالَ} لموسى. {ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أي هو ساحر أو مجنون، كأنه نسب الخوارق إلى الجنّ. {فَنَبَذْناهُمْ} طرحناهم. {فِي الْيَمِّ} في البحر.. {وَهُوَ مُلِيمٌ} آت بما يلام عليه من الكفر والعناد وتكذيب الرسل ودعوى الربوبية.
{وَفِي عادٍ} أي وفي إهلاك عاد آية. {إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} حين أرسلنا عليهم الريح العقيم، سماها عقيما، لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم، أو لأنها لا خير ولا منفعة فيها، فلا تحمل المطر ولا تلقح الشجر، وهي الدّبور أو الجنوب أو النكباء. {ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ} أي ما تترك شيئا مرّت عليه. {إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} كالرماد، أو كالشيء البالي المتفتت من عظم أو نبات أو غير ذلك، مأخوذ من الرم: وهو البلى والتفتت.
{وَفِي ثَمُودَ} أي وفي إهلاك ثمود آية. {إِذْ قِيلَ لَهُمْ} بعد عقر الناقة. {تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ} إلى انقضاء آجالكم. {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} استكبروا عن امتثال أمره. {فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ} أي العذاب بعد الثلاثة أيام، كما في آية:{تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ}[هود ٦٥/ ١١] والصاعقة: نار نازلة بسبب احتكاكات كهربية، وهي الصيحة المهلكة التي صعقتهم. {وَهُمْ يَنْظُرُونَ} إليها، فإنها جاءتهم معاينة بالنهار.
{فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ} ما قدروا على النهوض حين نزول العذاب، وهو كقوله تعالى:
{فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ}[هود ٦٧/ ١١]. {وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ} أي ممتنعين من العذاب وعلى من أهلكهم.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أي وأهلكنا قوم نوح، ومن قرأ بالجر فهو عطف على ثمود، أي وفي إهلاكهم آية. {مِنْ قَبْلُ} قبل إهلاك هؤلاء المذكورين. {فاسِقِينَ} خارجين من طاعة الله، متجاوزين حدوده.