وكلّ القرآن الذي أنزل إليك يا محمد من ربّك حقّ لا شكّ فيه، وهو على التّفسير الأول بأن الآيات هي السّورة إجمال بعد تفصيل، أو عموم بعد خصوص، فبعد أن أثبت تعالى لهذه السّورة وصف الكمال والرّفعة، عمم هذا الحكم على القرآن جميعه.
ولكن أكثر النّاس لا يصدقون بالمنزل إليك من ربّك، ولا يقدرون ما في القرآن من سمو التّشريع والأحكام ورعاية المصالح المناسبة لكلّ عصر وزمان.
وهذا كقوله تعالى في سورة يوسف:{وَما أَكْثَرُ النّاسِ، وَلَوْ حَرَصْتَ، بِمُؤْمِنِينَ}[١٠٣]، أي مع هذا البيان والجلاء والوضوح لا يؤمن أكثرهم لما فيهم من الشّقاق والنّفاق والعناد.
وإذا كان واقع البشريّة اليوم أن أكثر سكان العالم لا يؤمنون بالقرآن الكريم، وأن المسلمين بالنسبة لغيرهم هم الخمس، فيكون ذلك معجزة للقرآن الكريم الذي أخبر عن حال أكثر النّاس في الماضي كأهل مكة، وفي مسيرة التّاريخ، وفي الوقت الحاضر والمستقبل.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآية على أنّ آيات القرآن بالغة حدّ الكمال في الإعجاز والبيان، وأن القرآن الكريم حقّ منزل من عند الله تعالى لا شكّ فيه ولا ريب، باق على وجه الدهر، ولكن مع الأسف حجب العناد والكفر كثيرا من النّاس عن الإيمان بما جاء فيه من حكم بالغة، وأحكام رصينة، وتشريعات محكمة. وهذا ليس إقرارا لهم، وإنما هو على سبيل الزّجر والتّهديد.
وقد تمسّك نفاة القياس بهذه الآية، وقالوا: الحكم المستنبط بالقياس غير نازل من عند الله تعالى، فهو ليس حقّا، لأنه لا حقّ إلا ما أنزله الله تعالى.