{أَوَلَمْ يَرَوْا} يعلموا، أي يعلم منكرو البعث {يَعْيَ} يعجز عنه ويضعف {بَلى} هو قادر على إحياء الموتى، والفرق بين بلى ونعم أن {بَلى} جواب للنفي بإبطاله وتقرير نقيضه، أي فهي لإثبات النقيض، ونعم لتقرير ما قبلها. {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ} بأن يعذبوا في النار {أَلَيْسَ هذا} أي يقال لهم: أليس هذا التعذيب أو العذاب؟.
{فَاصْبِرْ} على أذى قومك {أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} أصحاب الثبات والحزم والجد والصبر، فإنك من جملتهم، و {مِنَ} في قوله {مِنَ الرُّسُلِ} للبيان، فكلهم ذوو عزم، وهم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم، فإنهم أصحاب الشرائع الكبرى الذين اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها، وصبروا على تحمل مشاقها، ومعاداة الطاعنين فيها {وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} لقومك نزول العذاب بهم، فإنه نازل بهم في وقته لا محالة {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ} من العذاب في الآخرة، لطوله {لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ} لم يقيموا في الدنيا في ظنهم إلا مقدار ساعة، لشدة ما يرون من أهوال {بَلاغٌ} أي هذا القرآن أو السورة أو الذي وعظتهم به تبليغ من الله إليكم {فَهَلْ يُهْلَكُ} أي لا يهلك عند رؤية العذاب {إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ} أي الكافرون الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة.
المناسبة:
بعد إثبات وجود الإله القادر الحكيم المختار في أول السورة، وإبطال قول عبدة الأصنام، وإثبات النبوة، ومناقشة المشركين في عقائدهم الباطلة ورد شبهاتهم، وتوبيخهم على عدم إيمانهم مع أن الجن آمنوا بالقرآن، بعد هذا أثبت الله تعالى مسألة المعاد، لأن المشركين كانوا ينكرونها، فتكون أغراض السورة المكية قد تحققت، وهي إثبات التوحيد والنبوة والبعث، ثم ذكر بعض أحوال الكفار في الآخرة.
ثم سلّى الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأمره بالصبر في دعوته، كصبر الأنبياء أولي العزم قبله، لتبليغ ما أمروا بأدائه، وعدم استعجال العذاب لهم، وذلك تعليم لنا ودرس وعظة بليغة.