وما روي عن عائشة ومعاوية: أنه كان مناما فلم تثبت صحته، ولو صح لم يكن في قولهما حجة؛ لأنهما لم يشاهدا الحادث، لصغر عائشة، وكفر معاوية إذ ذاك، ولأنهما لم يسندا ذلك إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولا حدثا به عنه.
ومناسبة آية {وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} لما قبلها: أنه لما ذكر تشريف النبي صلّى الله عليه وسلم وإكرامه بالإسراء، وإراءته الآيات، ذكر تشريف موسى وإكرامه بإيتائه التوراة من قبله.
التفسير والبيان:
أنزّه الله تنزيها من كل سوء، الذي أسرى بعبده محمد صلّى الله عليه وسلم في جزء من الليل، من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس، وعاد إلى بلده في ليلته، وأبرئه تبرئة تامة عن كل صفات العجز والنقص وعما يقوله المشركون من وجود شريك أو ولد له، وأثبت له القدرة الكاملة الفائقة، فهو القادر على تحقيق ما هو أغرب من الخيال والتصور، فلا غرابة إن أسرى بعبده تلك المسافة البعيدة في جزء من الزمن غير طويل، تشريفا لنبيه، ورفعا لقدره وإعلاء لمجده، ليكون معجزة دائمة له مع مرور الزمان.
والمراد {بِعَبْدِهِ} بإجماع المفسرين محمد عليه الصلاة والسلام، وأتى بقوله {لَيْلاً} بلفظ التنكير لتقليل مدة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل؛ لأن التنكير يدل على معنى البعضية، والمسافة من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة بحسب وسائط النقل القديمة، وذلك قبل الهجرة بسنة، كما قال مقاتل (١)، وذكر الحربي: أنه أسري به ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخرة قبل الهجرة بسنة.
(١) وهو قول الزهري وعروة، فيكون الإسراء في شهر ربيع الأول. وأورد الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته حديثا لا يصح سنده أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب (البداية والنهاية لابن كثير: ١٠٨/ ٣ - ١٠٩).