انظر يا محمد وتعجّب من صنع هؤلاء اليهود الذين يحفظون بعض كتابهم الذي أوحاه الله لنبيّهم موسى عليه السلام، وفقدوا سائره أو حرّفوه وغيّروه؛ لأن التّوراة كتبت بعد موسى بخمسمائة سنة، وبقي الجزء الذي فيه بشارة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وموضع العجب: أنهم يرفضون قبول حكم كتابهم، حينما زنى بعض أشرافهم، وحكّموا النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فحكم بمثل حكم التّوراة، فتولّوا وأعرضوا عن قبول حكمه. وعمم ابن كثير الآية وجعلها إنكارا على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم، وهما التّوراة والإنجيل (١).
فإذا دعوا إلى حكم الكتاب تولى فريق منهم أي بعد تردّد في قبول الحكم، ثم أدبروا وهم معرضون. وفي قوله:{فَرِيقٌ مِنْهُمْ} إشارة إلى أن منهم طائفة متمسكة بالحق كعبد الله بن سلام وغيره، كما قال تعالى:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف ١٥٩/ ٧]. وفي قوله:{وَهُمْ مُعْرِضُونَ} إشارة إلى دوام إعراضهم.
ثم ذكر الله تعالى سبب هذا التّولي والإعراض أو العناد والجحود: وهو اعتقادهم النّجاة، فاليهودي يعتقد أنه مهما فعل لن يدخل النار إلا أياما معدودة، ثم يدخل الجنة، فلم يبالوا بارتكاب المعاصي والذنوب، اعتمادا على اتّصال نسبهم بالأنبياء. وهذه الآية مثل قوله تعالى:{وَقالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً، قُلْ: أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً، فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ، أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟}[البقرة ٨٠/ ٢].
ولم يثبت في عدد الأيام التي يدخلون فيها النار شيء، وقيل: هي أربعون يوما، وهي مدّة عبادتهم للعجل.