بعد أن ذكر الله تعالى أحوال العرب مؤمنيهم ومنافقيهم بالمدينة، ذكر أحوال الأعراب خارج المدينة وهم سكان البادية، وأخبر أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين. ويرى الرازي أن هذه الآيات كسابقتها مباشرة تخاطب منافقي الأعراب وأصحاب البوادي أي الصحاري. ويرى المفسرون الآخرون أن ما سبق كله في منافقي المدينة وهذا في منافقي الأعراب.
التفسير والبيان:
إن كفر بعض الأعراب سكان البادية ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد، وأحرى وأولى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله أي فرائض الشرع؛ لأنهم أغلظ طبعا وأقسى قلبا، وأكثر جهلا،
روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:«من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن»
ورواه أبو داود والبيهقي أيضا عن أبي هريرة مرفوعا، وزاد فيه:«وما ازداد أحد من سلطانه قربا إلا ازداد من الله بعدا» لأن السلاطين لا يريدون غالبا النصح وصراحة القول، فلا يتقرب منهم إلا المراؤون عادة. والله عليم واسع العلم بأحوال خلقه من أهل المدن والبوادي، حكيم فيما شرعه لهم وفيما يجازي محسنهم ثوابا ومسيئهم عقابا.
وليس هذا طعنا في الأعراب وإنما هو وصف لأحوالهم، وذم لواقعهم ما داموا راضين به، وكل من نزل البادية فهم أعراب. وأما من استوطن القرى والبلاد فهم عرب، ولا يقال للمهاجرين والأنصار أعراب، إنما هم عرب،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم:«حب العرب إيمان»(١).
(١) حديث ضعيف رواه الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك.