ومن الأعراب أناس ينفقون أموالهم رياء أو تقيّة، وتقربا للمسلمين ويعدون ذلك مغرما وخسارة؛ لأنهم لا يرجعون به ثوابا عند الله، وينتظرون بكم الحوادث والآفات، فيتخلصون من الإنفاق، وقد كانوا يتوقعون انتصار المشركين على المؤمنين، فلما يئسوا انتظروا موت النبي صلى الله عليه وسلّم ظنا منهم أن الإسلام ينتهي بموته.
روي أنهم أسد وغطفان كانوا يفعلون ذلك. فرد الله عليهم:{عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} أي هي منعكسة عليهم، والسوء دائر عليهم وحدهم، أو أن هذا دعاء عليهم بنحو ما ينتظرونه في المسلمين، وقد تحقق هذا الدعاء، فدارت دائرة السوء والشر عليهم، وأصيبوا بالهزيمة والخيبة والخذلان، والله سميع لما يقولون عند الإنفاق، ولدعاء عباده عليهم، عليم بما يضمرون وبمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان، كما قال تعالى:{قُلْ: هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا}[التوبة ٥٢/ ٩].
وكما أن في الأعراب كفارا ومنافقين، فيهم أيضا مؤمنون لقوله تعالى:
{وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ..}. أي وبعض آخر من الأعراب يؤمنون إيمانا صحيحا، مثل جهينة ومزينة، وبنو أسلم وغفار، وقال مجاهد: هم بنو مقرّن من مزينة، وهم الذين قال الله فيهم:{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} وهؤلاء الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله تعالى، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم، أي صلواته.
ألا إن ذلك قربة حاصلة لهم، وهذا شهادة من الله بصحة معتقدهم، وتصديق لرجائهم وتمنيهم، على الاستئناف مع حرف التنبيه، وإنّ المحققة للنسبة. وضمير {إِنَّها} لنفقتهم.
سيدخلهم الله في رحمته أي في جنته ورضوانه، وهذا وعد لهم بإحاطة الرحمة