وقال أهل السلف: الإتيان في ظلل من الغمام كالمجيء في آيات أخرى: مما وصف به الله تعالى نفسه، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، والقول في صفاته كالقول في ذاته، ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
{آيَةٍ بَيِّنَةٍ} معجزة ظاهرة لا يخفى أنها من عند الله، كالعصا واليد البيضاء وفلق البحر وإنزال المن والسلوى، فبدلوها كفرا. {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ} التبديل: تغيير الشيء من حال إلى حال، ونعمة الله: آياته الباهرة التي آتاها أنبياءه، وجعلها مصدر الهداية والنجاة. {الْعِقابِ} العذاب.
{وَيَسْخَرُونَ} يستهزئون من الذين آمنوا لفقرهم، كبلال وعمار وصهيب، ويتعالون عليهم بالمال. {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا} الشرك وهم هؤلاء. {وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} أي بغير تقدير ولا حصر ولا تعداد على حسب الإيمان والتقوى والكفر والفجور، أو أنه كناية عن السعة، فيرزقهم رزقا واسعا في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فبالتسلط على أولئك الساخرين، وأما في الآخرة فبالفوز بالجنة والرضوان الإلهي، وهذا كما يقال:«هو ينفق بغير حساب» على معنى أنه ينفق كثيرا.
سبب النزول:
نزلت الآية (٢٠٨) في عبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود لما عظموا السبت وكرهوا الإبل بعد قبول الإسلام، قالوا: يا رسول الله، يوم السبت يوم نعظمه، فدعنا فلنسبت فيه، وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل، فنزلت:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} الآية. هذا ما رواه ابن جرير عن عكرمة.
وروى عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فآمنوا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت، وكرهوا لحمان الإبل وألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوى على هذا وهذا، وقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنعمل بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.