ومحض العقل، وإنما لا بد من دليل أو نص شرعي، وأن ما حرّم على اليهود هو ما ذكر سابقا في سورة الأنعام، وأن من يعمل السوء (وهو كل ما لا ينبغي من الكفر والمعاصي) بجهالة أي بطيش وعدم تدبر العواقب (وكل من عمل السوء، فإنما يفعله بالجهالة) ثم يتوب بعدئذ، فإن الله يغفر له معصيته ويرحمه.
التفسير والبيان:
هذا انتقال من الإنذار والتخويف إلى الاطمئنان، وتهدئة الخواطر، وتطييب النفوس المؤمنة، والإذن بمتاع الحياة الحلال، لا الخبيثة الحرام كالميتة والدم، فكلوا أيها المؤمنون من رزق الله الحلال الطيب، واشكروه على ذلك، فإنه المنعم المتفضل الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، إن كنتم تعبدونه حقا، فتطيعونه فيما أمر، وتنتهون عما نهى، والمراد بالجملة الأخيرة التحريض على العبادة والاستمرار عليها.
والحلال أكثر بكثير من الحرام، ولكنه على وفق ما أذن الله به، لا على النحو الذي كان عليه عرب الجاهلية من تحريم ما أحل الله، لذا ناسب ذلك بيان المحرّمات القليلة أمام الحلال الكثير الواسع، فقال تعالى:{إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ.}. أي إنما حرّم عليكم ربكم محرّمات أربعة فقط؛ لأن لفظة {إِنَّما} تفيد الحصر، وهي أكل الميتة والدم، ولحم الخنزير، وما ذبح على النصب للأصنام، وهو داخل تحت قوله:{وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} أي ذبح على غير اسم الله، جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس:«ملعون من ذبح لغير الله» فلا تحرموا شيئا مما أحله الله لكم.
وقد ذكرت هذه الأنواع الأربعة في سور ثلاث سابقة هي سورة البقرة المدنية:{إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ.}. [الآية: ١٧٣] وسورة المائدة المدنية أيضا: