الآمال، ويبقى المنافقون في قلق واضطراب، إذ إن فرحهم الظاهري بنزول آية، وسيرهم مع المسلمين، يسقطه الامتحان عند ما يطالبون بالجهاد مع المؤمنين، وإن التلون بالدعم حين الخير، والنقمة والكفر حين الشر، مثل المنافق غير المؤمن.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه صفة المنافقين كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ثم كفروا فذهب الله بنورهم. فما يظهره المنافقون من الإيمان الذي تثبت به أحكام المسلمين في الزواج والميراث والغنائم والأمن على أنفسهم وأولادهم وأموالهم، واغترارهم لما آمنوا بكلمة الإسلام، لا فائدة له في أحكام الآخرة، لأنهم يصيرون إلى العذاب الأليم، كما أخبر التنزيل:{إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ}[النساء ١٤٥/ ٤] فمثل استضاءتهم بضوء إقرارهم بالإسلام مع إسرار الكفر كإضاءة النار الموقوتة أو كمثل مطر مظلم. والمنافقون عطلوا بحق وسائل المعرفة الصحيحة والإيمان الراسخ، فهم صمّ عن استماع الحق، بكم عن التكلم به، عمي عن الإبصار له، وأشد من ذلك أنهم لا يرجعون في النهاية إلى الحق لسابق علم الله تعالى فيهم، لا بقهر وإجبار. ومع نفاقهم فلم يعجل الله عقابهم في الدنيا، وقد استنبط الجصاص من ذلك: أن عقوبات الدنيا ليست موضوعة على مقادير الاجرام، وإنما هي على ما يعلم الله من المصالح فيها، وعلى هذا أجرى الله تعالى أحكامه (١).
والقرآن ممتلئ بالخير والآيات الدالة على كونه من عند الله كالصيّب، وما فيه من الوعيد والزجر كالرعد، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أحيانا تبهر المنافقين كالبرق، وما فيه من الدعوة إلى القتال في العاجل والوعيد في الآجل كالصواعق.